ثمة طريقتان على الأقل لانهيار الردع المتبادل بين الدول – الذي يُعرف أيضاً بالتدمير المتبادل المؤكد. كما علمتنا الحرب الباردة، يمكن لأحد طرفي الصراع ببساطة أن ينهار. لكن يمكن للردع أن ينهار أيضاً عندما يقرر أحد الطرفين قلب التوازن. على مدى أكثر من تسعة أشهر بعد هجوم حماس المروّع في 7 تشرين الأول/أكتوبر على جنوب إسرائيل وبداية الهجوم الإسرائيلي المدمر في قطاع غزة، تصاعدت الأعمال القتالية على نحو مستمر بين إسرائيل و“محور المقاومة” التي تقوده إيران (التحالف الذي يشمل أيضاً حزب الله، وسورية، والمجموعات شبه العسكرية العراقية، وأنصار الله – الذين يعرفون أيضاً بالحوثيين – في اليمن(. تحدّى القتال بين إسرائيل وحزب الله على نحو خاص الخطوط الحمر السابقة لكلا الطرفين. لكن بدا أنهما تجنبا إثارة حرب شاملة.
ثم، في أواخر تموز/يوليو، هاجمت إسرائيل دار ضيافة رئاسية في طهران، فقتلت إسماعيل هنية، القائد السياسي لحركة حماس. قبل ساعات فقط كان هنية قد حضر تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان. كان اغتيال إسرائيل لهنية وهو يقيم في العاصمة الإيرانية كضيف دولة رسمي إهانة كبيرة. حتى ذلك الحين، كان القادة الإيرانيون قد حاولوا إبقاء عدوهم بين قطبين، فلا يكونون عدوانيين لا أقل من اللازم ولا أكثر مما يتطلبه الأمر. لكن الآن لو أرادوا استعادة الردع، لا بد أنهم شعروا ألّا خيار أمامهم سوى الرد باستعراض كبير للقوة.
لكنهم لم يفعلوا، على الأقل ليس مباشرة. أبلغ الرئيس بزشكيان الصحفيين أن إدارة بايدن طلبت منه عدم الرد، على أساس أن إسرائيل وحماس (بمساعدة من وسطاء قطريين ومصريين) كانتا على وشك التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة – الذي كان مطلباً للمحور من أجل خفض التصعيد في المواجهة التي نشأت مع إسرائيل بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر. لكن لم يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في الأيام التي تلت، واستغلت إسرائيل تفوقها، ربما شعوراً منها بمزيد من الجرأة بسبب عدم الرد الإيراني. وكان ذلك دليلاً آخر على الارتباك الدبلوماسي الأميركي في سنة شهدت قدراً أكثر مما ينبغي من الارتباك. في الشهر الماضي، وفي حديثه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، اشتكى بزشكيان بمرارة من أن الولايات المتحدة كانت قد خانت الثقة الضئيلة التي بقيت موجودة بين القوتين.
جاء تصعيد إسرائيل المفاجئ الثاني في أيلول/سبتمبر، عندما فجّرت متفجرات كانت قد زرعتها في أجهزة اتصالات مقاتلي حزب الله. من غير الواضح ما إذا كانت قد خططت لتوقيت الهجوم مقدماً أم نفذته في اللحظة الأخيرة تحت تهديد اكتشافه الوشيك. على أي حال، فإن هجوم أجهزة النداء (البيجر) سمح لإسرائيل بتنفيذ ضربات هائلة على جنوب لبنان وبيروت، بإحداث فوضى في صفوف حزب الله، فقتلت نحو ألفي شخص خلال أيام، كثيرون منهم، إن لم يكونوا جميعاً، من المدنيين، وهجَّرت أكثر من مليون شخص. كما استغلت إسرائيل الفرصة للقضاء على قيادة الحزب العليا، فقتلت عدداً من كبار قادته – والأمر الصادم أكثر أنها قتلت قائده حسن نصر الله، الذي كان يتمتع بمكانة تأتي مباشرة بعد مكانة القائد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي.
يبدو أن قادة حزب الله اعتقدوا أنهم يمتلكون ما يكفي من القوة – بما في ذلك ترسانة كبيرة وكافية من الصواريخ – للصمود ليس فقط في حرب غير متناظرة، بل أيضاً في حرب تقليدية ضد إسرائيل. كما أن من الواضح أنهم قللوا من أهمية مقدار المعلومات الاستخباراتية التي كانت إسرائيل قد جمعتها عنهم منذ عام 2006. (في الواقع فقد كرَّست إسرائيل موارد أكثر بكثير لحزب الله مما خصصته لحماس، التي كانت تعدّها العدو الأضعف.) على أي حال، لم يكن حزب الله مهتماً بإثارة حرب شاملة – ومن الواضح أنه كان يتوقع أن إسرائيل أيضاً تفضل المحافظة على الردع المتبادل بينهما.
في الواقع، يبدو أن إسرائيل تريد شيئاً مختلفاً تماماً. فمنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، وهي مصممة على استعادة شعورها بالأمن، الذي تحطّم في ذلك اليوم. لقد تمكن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من تأجيل محاسبته محلياً بشأن الإخفاقات الاستخبارية والأمنية التي حدثت ذلك اليوم، لكن مؤقتاً فحسب. قد يعتقد أنه بإمكانه أن ينقذ مسيرته السياسية بتوجيه ضربات حاسمة ليست فقط لحماس، بل لإيران وحلفائها أيضاً. ولا سيما حزب الله، خشية حدوث ردٍ انتقامي، عاجلاً أم آجلاً، على يوم الرعب. ويمكن أن يعتقد أيضاً، كما ألمح في خطابات أخيرة ألقاها، أنه يستطيع إحداث تغيير في النظام في لبنان وإيران على حد سواء، وبذلك يقضي على أحد التهديدات الرئيسية لإسرائيل، المتمثل في البرنامج النووي الإيراني. قد لا تشجع الإدارة الأميركية نتنياهو على المضي على هذا الطريق، لكنه يعرف أن الولايات المتحدة لن تخذل إسرائيل.
لطالما كان نتنياهو يأمل بخلق نظام شرق أوسطي جديد يلغي القضية الفلسطينية. اقترح شيئاً من هذا القبيل في خطاب ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أسبوعين فقط من 7 تشرين الأول/أكتوبر، عندما عرض خريطة لإسرائيل تغطي كامل المنطقة بين نهر الأردن والبحر المتوسط. عندما رمت حماس النرد في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، ربما كانت تأمل بإثارة حرب إقليمية من شأنها أن تقوض تلك الجهود. بعد عام على ذلك، فإنها قد تحصل على ما تمنته – لكن مع حصيلة مفادها أن احتمال حدوث نتيجة إيجابية للفلسطينيين بات أبعد من أي وقت مضى.
في الأشهر التي سبقت 7 تشرين الأول/أكتوبر، كانت حماس تتعرض لضغوط متنامية في قطاع غزة. في عام 2006 كانت قد فازت في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية، وفي السنة التالية بدأت بحكم القطاع، وعندها وضعت إسرائيل القطاع تحت حصار طويل الأمد. ومن خلال سيطرتها على حدود غزة وسمائها، فرضت إسرائيل قيوداً أكثر شدة على حرية حركة السكان ووصولهم إلى السلع الأساسية، وخلقت ما سمَّاه عمال الإغاثة الإنسانية ”أكبر سجن مفتوح في العالم“. خلال هذه السنوات قاتلت حماس إسرائيل عدة مرات، وبدعم عسكري من إيران وحزب الله. وفي هذه الأثناء، جعلت عمليات القصف الإسرائيلية من القطاع منطقة لا يمكن العيش فيها. وإذ بات سكان قطاع غزة تحت ضغط هائل بسبب الحصار، فإن أعداداً متزايدة منهم شعروا بالسخط حيال الحركة المتشددة لأنها أخفقت في تخفيف معاناتهم. في عام 2019 بدأ الناس يخرجون إلى الشوارع احتجاجاً على تدهور الأحوال المعيشية فيما سموه حركة “بدنا نعيش“. قمعت حماس المظاهرات واعتقلت المتظاهرين.
حماس شريك مربِك في محور المقاومة. فأيديولوجية الحركة، التي تضرب جذورها في الإسلام السني والمقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي على حد سواء، تختلف على نحو بارز عن إيران وحلفائها غير الدولتيين، وهم طائفياً من الشيعة وتربطهم وشائج قربى سياسية مع القيادة التي نشأت من الثورة الإسلامية في عام 1979. بتشكيلها للمحور، بعثت إيران برسالة واضحة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل مفادها: هاجمونا وستخاطرون بحرب على عدة جبهات. كما جادلت في وقت سابق من هذا العام، كانت إيران تريد من حلفائها مضايقة أعدائهم المشتركين، والعمل كدفاع متقدم – لا أن يسعوا إلى تحقيق مصالحهم المحلية إذا كان فعل ذلك يلحق الضرر بأهدافها الإستراتيجية.
لكن كان لدى حماس أفكار أخرى. لطالما أشار قادتها إلى أنهم لم يكونوا راضين عن الحكم تحت الحصار الإسرائيلي وأنهم يفضلون قتال الاحتلال عسكرياً. على مدى سنوات، كانوا منزعجين من أن المحنة الفلسطينية – والسعي إلى حل عادل للصراع الإسرائيلي–الفلسطيني – كانت تتلاشى من الوعي الدولي. كما استحضروا على نحو متكرر انتهاكات إسرائيل في المسجد الأقصى والأماكن الإسلامية المقدسة الأخرى في القدس، حيث يتلاقى التياران الديني والقومي لأيديولوجية الجماعة. وكانت تأمل، كما أشار قائدها العسكري محمد الضيف في خطاب في 7 تشرين الأول/أكتوبر، أن تنضم إيران وحزب الله إلى الهجوم في ذلك اليوم، ويفتحا جبهات جديدة.
لم يحدث ذلك. لكن بعدم إبلاغها لرعاتها وحلفائها بنواياها، ناهيك عن عدم طلب إذن من إيران، فإن قيادة حماس في قطاع غزة فاجأتهم. لم تكن إيران تعتزم البدء بهذه المعركة. لكنها كانت تخاطر بجعل التحالف يبدو ضعيفاً – ولا سيما لمقاتليه وأتباعه – بعدم الرد على الإطلاق.
ما تلا ذلك كان رقصة استمرت عاماً كاملاً هاجمت فيها إيران وحلفاؤها إسرائيل بقدر يكفي لإظهار تضامنهم مع حماس والفلسطينيين لكن ليس إلى الحد الذي يستفز إسرائيل ويجعلها تشن هجوماً إقليمياً شاملاً. وهذا يساعد في تفسير الانزعاج المتبادل بين حماس وشركائها في المحور. لقد بدت إيران محبطة أحياناً من أن حماس لم تبلغها بشأن هجوم تشرين الأول/أكتوبر مقدماً؛ وقادة حماس، بدورهم، عبّروا عن خيبة أملهم من الرد الفاتر لحلفائهم.
في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023، ضرب حزب الله أولاً، قائلاً إنه يتصرف تضامناً مع الفلسطينيين، فاستهدف مواقع إسرائيلية في مزارع شبعا، وهي منطقة مساحتها أربعة عشرة ميلاً مربعاً على حدود لبنان مع سورية تحتلها إسرائيل منذ عام 1967. ردت إسرائيل، ومن تلك اللحظة تصاعد الصراع. تساقطت صواريخ حزب الله على شمال إسرائيل؛ وقصفت إسرائيل جنوب لبنان. وهُجِّر عشرات آلاف المدنيين على جانبي الحدود.
انضمت المجموعات العراقية إلى الصراع، فأطلقت قذائفها على القواعد الأميركية في العراق وسورية، وتلقت رداً قوياً. وكذلك فعل الحوثيون؛ فبعد عدم نجاحهم بإيصال صواريخهم إلى إسرائيل، استهدفوا سفناً تجارية في البحر الأحمر ادعوا أن لها علاقة بإسرائيل. رد الأسطول الأميركي والأساطيل الحليفة بقصف مواقع إطلاق النار ومخازن الأسلحة الحوثية داخل اليمن، وقام الحوثيون عندها بمهاجمة سفن تلك الأساطيل أيضاً. في النهاية هاجمت المجموعات العراقية والحوثيون إسرائيل مباشرة – لكن بنجاح أقل مما حققه حزب الله.
لم يزعزع أي من هذه الهجمات المتبادلة التوازن الكلي للردع المتبادل. بالنظر إلى أن كلا الجانبين أحجما عن التصعيد بما يتجاوز مستوى معيناً، كانت إسرائيل حرة في متابعة حربها ضد حماس، التي ترقى إلى عقاب جماعي لقطاع غزة، ودون قيود تذكر. لقد سوَّى الجيش الإسرائيلي البنية التحتية في القطاع ومنازله بالأرض؛ وقتل أكثر من 42,000 شخص. ويُعتقد بوجود آلاف غيرهم مدفونون تحت الأنقاض؛ وهجَّر كل السكان تقريباً – و70 بالمئة منهم لاجئون من نكبة 1948 وذريتهم – إلى مناطق “آمنة” أصغر هاجمتها إسرائيل أيضاً، متهمة حماس بإقامة قواعد في هذه الجيوب المدنية.
في الأشهر الأولى شجعت إيران أفعال حلفائها، لكنها لم تشارك في القتال. ثم، في 1 نيسان/أبريل، قصفت إسرائيل مباشرة القنصلية الإيرانية في دمشق، فقتلت بين آخرين، قائداً رفيع المستوى في فيلق القدس، وحدة المهام الخارجية في قوات الحرس الثوري الإسلامي والمسؤولة عن تعزيز مصالح إيران الأمنية في الدول العربية. بعد أسبوعين، أطلقت إيران صلية مكوّنة من نحو ثلاثمئة من المسيَّرات وصواريخ كروز والصواريخ البالستية على إسرائيل. كان ذاك استعراضاً غير مسبوق للقوة العسكرية، لكنه لم يُحدث أثراً فعلياً يذكر. كانت طهران قد استعملت غالباً ذخائر ثقيلة وأعلنت نواياها مسبقاً، الأمر الذي سمح لإسرائيل والولايات المتحدة بتحضير دفاعاتهما.
كانت إيران فعلياً تبعث برسالة مدروسة مفادها أننا نستطيع أن نضربكم لكننا لا نريد ضربكم بقوة بحيث تشعرون بأنكم مجبرون على التصعيد المضاد. وكان رد إسرائيل – المتمثل في ضربة واحدة لموقع بنية تحتية عسكرية إيراني قرب المنشآت النووية – صغيراً بما يكفي للسماح لإيران بعدم الرد. لكن نموذج الردع المتبادل صمد، ولو بشكل هش، إلى أن وصل هنية إلى طهران في أواخر تموز/يوليو وقررت إسرائيل اغتياله. قد تكون حسبت أنها يمكن أن تستغل مقاومة إيران لخوض حرب شاملة؛ وقد تكون حسابات مماثلة هي التي دفعتها لاتخاذ القرار باغتيال نصر الله في أيلول/سبتمبر.
يبدو أن هذا المنطق ثبتت صحته حتى الآن. ففي 1 تشرين الأول/أكتوبر، ورداً على قتل هنية، ونصر الله وقادة كبار في حزب الله، هاجمت إيران إسرائيل مرة أخرى، وهذه المرة أطلقت وابلاً من 180 صاروخاً بالستياً. ولأن إسرائيل والولايات المتحدة كان لديهما وقت أقل للتحضير، فإن عدداً من الصواريخ اخترق الدفاعات الإسرائيلية، وأصاب قاعدتين جويتين وموقعاً قريباً من مقر جهاز استخبارات الموساد. لكن تشير الروايات الإسرائيلية إلى أن الأضرار كانت محدودة. سقط قتيل واحد: رجل فلسطيني في الضفة الغربية المحتلة أصيب بشظايا صاروخ اعتُرض بنجاح في السماء.
باستهداف مواقع عسكرية، كانت إيران تبعث برسالة مفادها ضبط النفس ورغبة بأن تنتهي الأمور عند هذا الحد. لكن التصاعد نحو حرب شاملة قد يكون له منطقه العنيد. فالتصعيد يفضي إلى تصعيد عندما لا يستطيع أي من الطرفين تحمل تبعات التراجع. كانت القيادة الإيرانية قد تعرضت لانتقادات حادة قبل 1 تشرين الأول/أكتوبر لأنها بدت ضعيفة، داخلياً وأمام حلفائها غير الدولتيين في المنطقة. أما الجمهور الإسرائيلي، الذي صدمه وابل 1 تشرين الأول/أكتوبر، فقد وقف بشكل كامل خلف قادته عندما تعهدوا بالانتقام وأكد أنه لن يرحم حكومته إذا لم تنتقم.
وهكذا، فإن احتمال قيام حرب أوسع في المنطقة لم يعد احتمالاً بعيداً. إذا هاجمت إسرائيل إيران مرة أخرى، حسب النطاق والأهداف، قد لا يكون أمام القيادة الإيرانية خيار سوى الرد بشكل أكثر قوة. قد يكون حزب الله قد انكسر، لكنه لم ينتهِ؛ فهو ما يزال يطلق صليات يومية من الصواريخ إلى شمال إسرائيل. ويمكن لحرب متعددة الجبهات – يشير إليها المحور بـ “حلقة النار” حول إسرائيل – يمكن أن تشمل دولاً ظلت حتى الآن على هامش الأحداث: سورية، والأردن، وربما حتى تركيا، ومصر، ودول الخليج.
ما يعنيه هذا هو أن نتنياهو من غير المرجح أن يعيد تشكيل المنطقة، على الأقل بالطريقة التي يتصورها. في خطابه أمام الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر 2023، ناقش فتح ممر تجاري رئيسي من الهند إلى أوروبا عبر دول الخليج، والأردن، وإسرائيل يمتد من النهر إلى البحر. يبدو هذا من قبيل الأحلام الآن، بالنظر إلى أن المنطقة تهدد بالانحلال والغرق بالفوضى. ومهما كانت التغيرات التي كانت حماس تأمل بإحداثها في 7 تشرين الأول/أكتوبر، من المؤكد أن الفلسطينيين لن يستفيدوا من مزيد من العنف والفوضى اللذين يلوحان في الأفق.
لم يكن من المحتم أن تسير الأمور على هذا النحو. إن مساهمة الولايات المتحدة في الأزمة الراهنة، على وجه الخصوص، تتطلب فحصاً دقيقاً. بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، أرسلت إدارة بايدن دبلوماسييها إلى المنطقة للمحافظة على الهدوء، بينما كانت في الوقت نفسه ترسل السفن الحربية لردع إيران وحزب الله عن شن هجوم شامل على إسرائيل. ذلك الاستعراض للقوة العسكرية، قد يكون بالمقابل، قد منح مزيداً من الجرأة لنتنياهو، الذي قوَّض على نحو متكرر محاولات الولايات المتحدة للتوسط في التوصل لوقف لإطلاق النار في غزة وحديثاً في لبنان. طوال هذه المدة، وربما بدافع من قلقه بشأن خسارة الدعم الداخلي، لم يضغط بايدن على نتنياهو بشكل ذي معنى للسعي إلى حل دبلوماسي. بصرف النظر عمن يفوز في انتخابات الشهر القادم، فإن المنطقة تتحول إلى جهنمٍ ستواجه الولايات المتحدة صعوبة في النجاة منها.