
لا يزال الزمن السوري كثيفاً متزاحماً بالأحداث، السوريون، على مدار الساعة، يتابعون مجرياته بفرح وحب ومعاناة وقلق، لا تزال المقابر الجماعية تنغص فرحة الحرية، ولاتزال المناطق المهدمة تعكر سعادة العائدين إلى بلادهم وبيوتهم.
أقل من شهر مضى على سقوط النظام ولا يزال المختبر السوري يعمل بنشاط وحيوية يتفاعل داخلياً ويستقطب اهتمام الإقليم والعالم، على المستوى الأمني لا يزال العمل جارياً في إجراء تسوية أوضاع عناصر النظام الساقط، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وعلى الأخص في ملاحقة من فكروا بالاحتفاظ بأسلحتهم تحضيراً لتخريب فردي أو استجابة لإشارات الولي الفقيه. هذه العملية الأمنية، مع الأسف، لا تجري دائماً وفق الأصول الإدارية والقانونية والسلوكية التي يجب أن تميز أجهزة أمن الدولة المتمرسة فنسمع احياناُ عن تجاوزات مهينة بحق بعض الأفراد أو الأوساط الاجتماعية، ورغم مراجعة بعض السلوكيات أحياناً فإن على المنظمات الحقوقية والمدنية متابعة ورصد أية تجاوزات والتبليغ عنها، بالاستفادة من كون السلطة الجديدة مستعدة لتلقي الشكاوى والتصحيح. لا يجب أبداً التقليل من أهمية التعامل الرصين مع هذا الملف لأهميته في المحافظة على السلم الأهلي.
في مستوى العمل الإداري لا زالت تصدر بعض التعليمات والتعيينات المرتجلة التي يتم التراجع عن بعضها أحياناً، مثل موضوع تعديل المناهج الدراسية، وحتى استبدالها ببدائل إيجابية أحياناً مثل تعيين بعض النساء في مواقع إدارية مهمة.
على المستوى العسكري يبدو جيداً القبول بفكرة حل الفصائل وتحويلها إلى جيش وطني، لكن عدم الاهتمام بأن يضم الجيش عناصر مؤهلة من الضباط المنشقين أو الضباط الذين لم تتلوث أيديهم بدماء السوريين، أو من القوى العسكرية الأخرى في شمال شرق سورية أو جنوبها، كل ذلك يضعف الطابع التمثيلي الوطني للجيش السوري المأمول، خاصة مع تصدر المشهد العسكري من مجموعة ضباط غير سوريين بالأساس.
في مستوى العمل الوطني العام أيضاً لا يزال الارتجال سيد الموقف بسبب عدم وجود تصور واضح سواء لعملية الانتقال السياسي وأحياناً الخلط بينها وبين فترة تسيير الأعمال، وسواء لموضوع المؤتمر الوطني والدستور.
وفي حين يمكن تفسير الاهتمام العربي والعالمي بالوضع السوري بعدم الرغبة بترك الساحة السورية الهامة لتكون ملعباً لطرف إقليمي واحد أو طرفين، ولكن أيضاً بالصراع الإقليمي والعالمي بعد انهيار محور الممانعة وهزيمة إيران وحزب الله وتراجع الدور الروسي.
ما يهمنا هنا هو الاستفادة من هذا الاهتمام الذي يرهن دوره الإيجابي في المساعدة على نجاح التجربة السورية بالعمل على حل سياسي يشمل جميع السوريين، وإذا كان الخطاب الغربي يتحدث أحياناً عن مكونات الشعب السوري فإن خطاب وزراء ألمانيا وفرنسا في زيارتهما الأخيرة أكد على شمولية الحل السياسي وعلى دور السوريات والسوريين بغض النظر عن الأصول الإثنية والدينية والطائفية أي بكل وضوح على مفهوم المواطنة في سورية الديموقراطية التي ستجد أن اللامركزية ستساعدها على حل الكثير من مشاكلها وعلى بقائها موحدة على أساس الهوية الوطنية السورية.
الهيئة التنفيذية
المسار الديمقراطي السوري
٥ كانون الثاني ٢٠٢٥