
لقد تمّ تبنّي عدة وثائق تتعلق بسوريا قبل أيام. كان أبرزها إعادة تبنّي مجلس الأمن للقرار ٢٢٥٤، وسبقه” بيان العقبة” الذي احتوى على سبع عشرة نقطة شملت الكثير ممّا يريده السوريون بالفعل، على الرغم من غلبة البلاغة العربية على بعض بنوده، التي تتيح مجالاً واسعاً للتهرّب من الالتزام بما اتُّفق عليه. إضافة إلى بيان العقبة صدرت ورقة استراتيجية في وزارة الخارجية الألمانية في التاريخ ذاته، تحت عنوان “الاستقرار والمسؤولية: خطة النقاط الثماني من أجل سوريا”، تعمّقت فيها بعض النقاط وازدادت وضوحاً، في حين تمّ استبعاد النقطة الأكثر أهمية من تلك النقاط.
تلك النقطة هي النقطة الخامسة” الوقف الفوري لكافة العمليّات العسكرية”، وهذا الأمر بالغ التأثير على كلّ مسار العملية الانتقالية. يمكن تصور أن تركيا في العقبة قد قلّمت تلك الفقرة، لأنّها تعنيها خصوصاً. إن التهديدات المستمرّة والقصف وعمليّات التدخل التركية- وكذلك الإسرائيلية-، سوف تعمّق الخلافات الداخلية السورية، وتجعل من الصعب السير في طريق الحوار والمشاركة الشاملة التي ينصّ عليها القرار ٢٢٥٤ والان بيان العقبة. وبالطبع كان هنالك أيضاً من لا يريد الإشارة إلى إسرائيل أيضاً.
نتمنى أن يجري اجتماع خاص أو حوار حول هذه النقطة وعدم السماح لأحد بتخريب سوريا من جيد، لأن السوريين قد عانوا كثيراً جداً ويستحقون ما يخفّف من معاناتهم.
ورد في الفقرة الثالثة الألمانية ما يبدو أنه تعويض عن غياب نقطة الوقف الفوري للعمليات:” إن عملية الحوار المستقرة لن تنجح إلا إذا التزمت الجهات الفاعلة الإقليمية التي تسعى إلى تحقيق مصالحها الأمنية الخاصة باحترام سيادة سوريا.” وهو واضح في الإشارة إلى تركيا وربّما إسرائيل أيضاً.
وقد ورد في الفقرة الثانية من بيان العقبة الذي يحمل قوة خاصة من خلال تركيبة المجتمعين، العرب والإقليميين والدوليين أن” دعم عملية انتقالية سلمية سياسية سورية-سورية جامعة، تتمثل فيها كل القوى السياسية والاجتماعية السورية، وبما فيها المرأة والشباب والمجتمع المدني بعدالة، وترعاها الأمم المتحدة والجامعة العربية، ووفق مبادئ قرار مجلس الأمن رقم 2254 وأهدافه وآلياته، بما في ذلك تشكيل هيئة حكم انتقالية جامعة بتوافق سوري، والبدء بتنفيذ الخطوات التي حددها القرار للانتقال من المرحلة الانتقالية إلى نظام سياسي جديد، يلبي طموحات الشعب السوري بكل مكوناته، عبر انتخابات حرة ونزيهة، تشرف عليها الأمم المتحدة، استنادا إلى دستور جديد يقره السوريون، وضمن تواقيت محددة وفق الآليات التي اعتمدها القرار.” هذه الفقرة ترسم خارطة طريق صحيحة لبلادنا. كما أن النصّ على إنشاء بعثة أممية إلى جانب المبعوث الخاص لمساعدة السوريين نقطة مفيدة وعملية أيضاً، وتعطي بعض الطمأنينة للسوريين، وخصوصاً في” المعايير” التي اقترحتها الورقة الألمانية لتقييم عمل سلطة هيئة تحرير الشام، وهي” حماية الأقليات، والمرأة، ومنع الأعمال الانتقامية”.
هنالك بوادر محدودة، لكنّها ذات معنى، تنال من الأقليات وإحساسها بالأمان والمساواة، وهنالك أيضاً مواقف تتناول المرأة وبشكل متفرّق، لكنه يمكن أن يشكّل لاحقاً خطاً واضحاً. كما أن أعمال الانتقام المحدودة وقلة ضحاياها حتّى الان، قد تغري فلول النظام بتطوير أعمال التخريب.
مؤخراً كان من أهم الإضافات زيارة الوفد الأمريكي ومباحثاته مع هتش وممثّلي المجتمع المدني، وما نتج عنها من توضيح ذكر للمواقف الأمريكية وثبات عند نقاطه الأساسية. كان التقييم الأمريكي الرسمي إيجابياً لنتائج هذه الزيارة.
نحن بحاجة إلى مساعدة خاصة منكم في حوارنا، وفي تيسير لقاءاتنا التي لا تستثني أحداً، على طريق التحضير لمؤتمر وطني شامل، يسهم في تطبيق تلك الخطط، وبقيادة سورية بالطبع. نحتاج كثيراً إلى تجميع الكردي والدرزي والعلوي والاستماع إليهم وإلى هواجسهم. أية خلل وخطأ في التعامل مع المسألة قد ينتج عنه آثار لا يمكن تلافيها. بين تلك المعايير هنالك معيار حاسم وعميق. هو الموقف من قضية الإيزيديين على سبيل المثال لا الحصر.
القوى الفاعلة الآن بالقوة المادية على الأرض هي: هيئة تحرير الشام مع حلفائها في عملية ردع العدوان، وقوات سوريا الديموقراطية في الشمال والشرق، والجيش الوطني السوري في الشمال الغربي. كذلك قوات التحالف (الأميركية خصوصاً) والقوات التركية والجيش الإسرائيلي. وبالطبع هنالك قوى أخرى أيضاً مثل قوات درعا( أحمد العودة)، وقوى مسلّحة في السويداء( خصوصاً قوات الكرامة)، وكذلك جيش سوريا الحرة الذي يعمل انطلاقاً من التنف بجوار القوات الأمريكية وتحت رعايتها.
تركّز تركيا كلّ اهتمامها على عزل قسد وإن استطاعت إنهاء وجودها بدعوى إزالة الخطر عن أمنها القومي المتمثّل في وجود ونشاط حزب العمال الكردستاني، في حين تحاول قوى دولية مثل الولايات المتحدة وألمانيا تهدئة جموحها؛ وغير معروف تماماً مدى النجاح في ذلك.
تجهد هيئة تحرير الشام لتثبيت سلطتها وتعزيز شعبيّتها وقبولها بين مكونات الشعب السوري، وتخطط لما سمته مؤتمراً وطنياً سورياً قريباً، يبدو مرتجلاً. هذا الارتجال يعمّ سلوك الهيئة، ويهدّد بتحوّلات لاحقة غير مريحة للجميع. ما زالت الهيئة أيضاً تحاول تجنّب أيّ صدام مع تركيا من خلال الاستمرار بتجاهل قوى معيّنة وتأخير تفاعلها معها.
نحن في المسار الديموقراطي السوري نحاول جهدنا وبإمكانياتنا المحدودة دفع الأمور باتّجاه تحقيق انتقال يشترك فيه الجميع، والتوصّل إلى خطى دستورية متّزنة لا يغلب عليها الارتجال بدوره.
اللجنة التنفيذية المؤقتة