
سوريا بين التحولات السياسية وفرص الاستقرار: قراءة في المرحلة الجديدة
تشهد سوريا مرحلة سياسية جديدة بعد إعلان أحمد الشرع نفسه رئيساً للبلاد، في خطوة مفاجئة أعادت تشكيل المشهد السياسي الداخلي والخارجي. ومع تزايد الحراك الدبلوماسي الإقليمي والدولي، يبدو أن سوريا تدخل مرحلة انتقالية قد تفتح الباب أمام الاستقرار، ولكنها تحمل تحديات كبيرة.
حيث أنه ومنذ إعلان الشرع رئيساً، شهدت سوريا تغيراً في مستوى القبول العربي والدولي، حيث برزت دعوات من مصر والجزائر للتعامل مع الواقع الجديد، إلى جانب تصريحات أوروبية تشير إلى إمكانية دعم سياسي مشروط.
وكانت زيارة أمير قطر، تميم بن حمد، إلى دمشق نقطة تحول بارزة، حيث أنها المرة الأولى التي يزور فيها مسؤول بهذا المستوى سوريا بعد سقوط الأسد، مما يعكس وجود تفاهمات قد تكون قيد التشكل خلف الكواليس.
ورغم أن بعض القوى لا تزال تتحفظ على دعم كامل للشرع، إلا أن هناك توجها عاماً نحو اختبار مدى قدرة قيادته على تحقيق استقرار حقيقي.
يبدو أن الشرع يحاول إدارة توازن حساس بين المحاور الإقليمية، خاصة بين الرياض وأنقرة، مما يمنحه فرصة للدخول في صراعات او الاستفادة من كلا الطرفين دون الانحياز إلى أحدهما بشكل كامل.
ومن المؤشرات الإيجابية، عودة عدد من أهالي عفرين إليها وحديث عن تحسن في الوضع الأمني هناك، إضافة إلى استمرار الحوار بين الشرع وعبدي حول شكل من اللامركزية، وهي خطوة قد تساعد في تجنب أي صدامات عسكرية جديدة.
ورغم أن هناك تصريحات إيجابية حول رغبة الحكومة الجديدة في الانفتاح على المناطق التي كانت خارج سيطرتها مثل السويداء ودرعا وشمال شرق سوريا، إلا أن هذه التصريحات لم تترجم بعد إلى خطوات عملية واضحة، وهو ما قد يكون مؤشراً على تحديات داخلية تعيق اتخاذ قرارات سريعة في هذا الاتجاه.
إحدى أبرز التحولات كانت استخدام الشرع مصطلح “الجمهورية السورية” بدلاً من “الجمهورية العربية السورية” في العاصمة التركية أنقرة، وهو ما ترافق مع استخدام قطر للمصطلح نفسه في بيان رسمي حول مجزرة منبج.
هذا التحول قد يكون إما محاولة لإعادة رسم الهوية الوطنية السورية بطريقة أكثر انفتاحا وتعددية والتوجه نحو فصل الطابع القومي عن الدولة السورية، مما قد يسهل عملية إعادة الاندماج في المشهد الدولي أو ربما يعكس توجهاً جديداً نحو تعزيز الهوية الإسلامية العابرة للقوميات، باعتبار أن الإسلام يشمل مختلف المكونات.
تشهد العديد من المناطق و من بينها دمشق تحولات اجتماعية ودينية لافتة، حيث تم استبدال بعض أئمة الجوامع بأشخاص ذوي خطاب ديني أكثر تشدداً، إضافة إلى فرض بعض القوانين التي تنظم التفاعل بين الرجال والنساء في الأماكن العامة.
ورغم أن هذه الإجراءات قد تعكس محاولة لضبط المشهد الديني والاجتماعي، إلا أنها تثير بعض التساؤلات حول مدى قدرة الشرع على السيطرة على التوجهات الدينية داخل الدولة وما إذا كانت هذه الإصلاحات ستظل ضمن إطار معتدل أم أنها قد تتحول إلى قيود صارمة تؤثر على طبيعة المجتمع السوري المتعدد مستقبلا.
أحد التساؤلات التي بدأت تطرح نفسها هو دخول أفراد من عائلة الشرع إلى مواقع صنع القرار، مما يثير مخاوف من إعادة إنتاج نظام حكم عائلي بدلاً من تأسيس نظام مؤسساتي أكثر شفافية.
في الوقت نفسه، هناك بداية تشكل لحراك معارض لهذا الاتجاه، لكنه لا يزال في مراحله الأولية، مما يعني أن المشهد السياسي الداخلي قد يشهد ديناميكيات جديدة في الأشهر القادمة.
من الواضح أن سوريا تمر بمرحلة تحول تحمل فرصا وتحديات في آنٍ واحد حيث هناك انفتاح دبلوماسي متزايد، مما قد يساعد في تسريع عمليات إعادة الإعمار وجذب الاستثمارات، وبالمقابل، هناك مخاوف من أن تتحول بعض الإصلاحات إلى إعادة إنتاج لأنماط حكم غير ديمقراطية مع استمرار التوترات في بعض المناطق ومدى تأثيرها على إمكانية تحقيق استقرار شامل.
يطرح العديد من الجهات السؤال التالي: ماالمطلوب للمرحلة المقبلة؟
رداً على هذا السؤال و بناءا على تجربة سورية عمرها أعوام يجب ان يتم تعزيز الحوار الوطني وبالتالي يجب على القيادة الجديدة تحويل التصريحات الإيجابية إلى خطوات عملية لدمج جميع الأطراف في مشروع وطني مشترك وإدارة الإصلاحات الاجتماعية بحذر بحيث لا تؤدي إلى استقطابات داخلية مع تعزيز الشفافية في الحكم لتجنب إعادة إنتاج الأنظمة السابقة وإطلاق مشاريع اقتصادية واضحة و الاستفادة من الانفتاح الدولي والإقليمي لتأمين استثمارات وإعادة إعمار حقيقية.
يبدو أن سوريا أمام فرصة نادرة لإعادة بناء نفسها سياسياً واقتصادياً، لكن نجاح هذه المرحلة يعتمد على مدى قدرة القيادة الجديدة على تحقيق توازن بين الاستقرار والإصلاح الحقيقي.
وإذا ما تمكنت الحكومة من إدارة المرحلة بذكاء، فقد تكون هذه بداية لتحقيق تحول إيجابي حقيقي، أما إذا طغت الحسابات الضيقة على المشهد، فقد تجد البلاد نفسها أمام دورة أخرى من الأزمات والتوترات.
الهيئة التنفيذية
المسار الديمقراطي السوري
8 شباط 2025