
مع مرور شهر على سقوط النظام السوري، يُلاحظ أن سلطات تصريف الأعمال تواصل سعيها إلى هيكلة وتعزيز سلطتها، من خلال تعيين شخصيات من إدارتها في إدلب أو في قيادة هيئة تحرير الشام أو مجموعات مسلحة قريبة منها، وكذلك الدخول في مهمة لا تبدو سهلة لحلّ الفصائل العسكرية ودمجها في جيش وطني، مع وضوح تعقيد ذلك الأمر فيما يخصّ قسد وقوات الجنوب، وربّما أيضاً مع ما يسمّى بالجيش الوطني القريب من تركيا. ترافق هذا مع تعيينات عسكرية أخرى يبدو أنها تصرّ فيها على تمكين سلطتها من خلال اعتماد شخصيات من الهيئة، واستمرار تجاهل الخبرة العسكرية” النظامية”، وقيل إن تلك التعيينات قد شملت محظوراً هو شمول عناصر أجنبية. كما ازدادت مؤخّرا المساعي الداخلية والخارجية لتطوير العلاقات وتهدئة الشكوك في المستويين. وقد أشارت إحاطة غير بيدرسون الأخيرة إلى مجلس الأمن بكلّ هذه الأمور، بلغتها الخاصة.
تتبلور التحديّات التي تواجه تلك السلطات وتزداد، خصوصاً مع اتّضاح ضعف إمكانيّات الهيئة على نسخ تجربتها ونقل هيكليّتها من إدلب إلى دمشق. ويمكن اختصار أهم تلك التحدّيات في الداخل والخارج على الشكل التالي:
أولّا ما يتعلّق بوحدة الأراضي والسيادة الوطنية، مع وجود سياسة تركيّة مستقلّة بأهدافها الاستراتيجية في الشمال، لها قواها المستقلّة أيضاً؛ ووجود تجربة خاصة شبه مستقرّة للإدارة الذاتية في الشمال والشرق التي صنعت تاريخاً عسكرياً في مقاتلة داعش بالتحالف مع الولايات المتحدة وحلفائها، حيث لم يجر التعامل معها حتى الآن بنجاح رغم المؤشّرات المعاكسة المبذولة للتهدئة والتأجيل التي يجري التهليل لها؛ وكذلك عدم مواجهة التعارض الكامن مع قوى الجنوب في درعا والسويداء؛ مع وجود تحديّات إسرائيلية تتقدّم وتتمدّد على الأرض بطريقة مهينة ومزعجة جغرافياً وربّما ديموغرافياً مع صمت غريب مقابل.
وثانياً ما له علاقة باستعادة علامات حياة الدولة الطبيعية من تنشيط وترميم للمؤسسات الرسمية، وتقديم الخدمات للمواطنين وتحسين قدرتهم المعيشية ومن ثم مساهمتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. هنالك تقدّم في هذا المجال، يريد الناس تطوير ثقتهم به، لكن الفارق سوف يظهر أكثر فأكثر فيما بعد.
وثالثاً تحدّي الوحدة الوطنية والاستقرار والأمن، مع تزايد الجرأة على الشكوى والنشاط في الساحل وحمص، من دون إهمال تحريض فلول النظام وبقايا التأثير الإيراني. كذلك تزايد التناقض ما بين الميل الطبيعي في الهيئة وأعضائها لفرض القيود المحافظة دينياً، وطبيعة المجتمع السوري وتاريخه” المدنيّ”.
ورابعاً، فشل الدعوة المرتجلة الأولى إلى مؤتمر للحوار الوطني، ظهرت فيه الهيئة وكأنها تميل إلى الارتجال والشكلانية على حساب الجدية التي تعلنها ويريد الناس من السلطة أن تثبتها. هنالك نقص واضح في التوجّه نحو القوى والشخصيات السياسية والمدنية، التي تزخر بهم البلاد في الداخل والخارج… ويبدو واضحاً ميل السلطات الجديدة إلى تجاهل دور المعارضة” الخارجية”، التي لا تقتصر إطلاقاً على الائتلاف وما يشبهه. هنالك إشاعات على أن ذلك المؤتمر ما زال مطروحاً، من دون أن تظهر علامات على أيّ تغيير جذري في التوجّه الأصلي الذي لن يفيد.
خامساً: هنالك تطوّر مهم على صعيد مع العلاقات الخارجية، واعد مع الأردن والعراق إلى حدّ ما، وحتّى مع لبنان، لكنّه غير مريح مع تركيّا وطموحاتها الخاصة، وما زال ناقصاً مع أوروبا وباقي العالم، ما لم تتأكّد الميول نحو رفع جزئي أو مؤقّت للعقوبات تضخّ القوة في الدولة السورية المريضة على المتابعة والتحسّن. تحتاج تلك الميول إلى جرأة في مواجهة الذات وإثبات القدرة على التغيّر من حيث الإيديولوجيا والوجود الأجنبي الظاهر علناً في الشوارع السورية. فالاعتدال لا يتعلّق بالثياب وحدها على الإطلاق!
من المهمّ أيضاً ملاحظة تنفّس المجتمع السوري ولهفته إلى ممارسة السياسة واهتمامه بالشأن العام، واسترداده لجرأته. ذلك جوهري، لكنّه لن يكفي أمام التحدّيات المذكورة والمتعدّدة، ولن يؤدّي وحده إلى خلق الظروف المناسبةللسوريين حتّى يبنوا دولة مدنية حديثة.
الهيئة التنفيذية
المسار الديمقراطي السوري
١٣ كانون الثاني ٢٠٢٥